La corruption

هذه هي الرشوة

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونستعين إياه ونستغفره ونشهد ألا إله غيره نهى عباده عن التلاعب في أموال الناس فقال:

وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ


ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول الله حذَّرنا من الرشوة فقال:

مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ

أيها الإخوة إن الأمم تبتلى بأمراض كثيرة غالبا ما تُقَوِّضُ صفاء عيشها وتقضي بتاتا على حياتها.. وإن من أشر ما تُصاب به الأمم أن يتناول أصحابُ النفوذ فيها ما ليس بحق فيُصبح صاحب الحق لا ينالُ حقَّه إلا إذا قَدَّمَ مالاً وذو المظلمة لا تُرْفَعُ مظلمتُه إلا إذا دَفَعَ رِشوة.. والرشوة أن يدفع الإنسان مالاً ليستفيد حقاً ليس له أو يُعفى من واجب هو عليه.. ولقد نعت القرآن قوما بأنهم سماعون للكذب أكالون للسحت أي الرشوة.. فعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:

الْقَاضِي إِذَا أَكَلَ الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ

وهذه هي طبيعة القلوب حين تَفْسُدُ وحقيقةُ الأرواح حين تُطمس! لأنها تُصبح تحب الباطل والزور فإذا بها تُسَارِعُ إلى ارتكاب الآثام واجتراء العدوان واستباحةِ الحرام والاعتداء على حِمى الله.. ولا تسأل عافاك الله عما ينجم عن أكل السحت وبذل الرشاوى من الأضرار التي لا حصر لها. فالكرامة تضيع والحقوق تُهضم والنبوغ يُقبر والجد يُدفن والعزائم تُطمس والغيرة على مصالح الأمة تضمحل..
ألا إن الرشوة خيانة عند جميع أهل الأرض وهي في دين الله أعظمُ إثماً وأشدُّ مقتاً. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي

فالرشوة أيها الناس تُخفي الجرائم وتَسْتُر القبائح وتزيف الحقائق.. بها يُفلْت المجرم.. ويدان البريء ويَفْسُدُ ميزان العدل الذي قامت به السماوات والأرض.. روى الإمام أحمد عن سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ.. وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا.. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ

فالرشوة هي المِعْوَلُ الذي يهدم الدِّين ويُجهز على الفضيلة وينفي الخُلُق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد، فإن الرشوة عباد الله تَلْبِسُ عند أهلها ثياباً مستعارة وتأخذ صوراً متلِّونة وأسماءً متعدِّدة.. فهذه هدية وتلك إكرامية وذاك قهوة وهته محاباة.. والدِّين من كل ذلك براء.. براء من طمسِ حقٍّ أو سكوتٍ على باطل.. براءٌ من تقديمِ متأخرٍ أو تأخيرِ متقدمٍ.. براءٌ من رفعِ خامل أو منعِ كفءٍ.. براءٌ من تغييرٍ للشروط أو إخلالٍ بالمواصفات أو عبثٍ في المعاملات أو تَلاعُبٍ في المواعيد.. فلا بارك الله في الراشي والمرتشي والرائش إذ أمعنوا جميعا في تضييع الحقوق وأكل أموال الناس بالباطل.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

أَيُّ خَيْرٍ يُرْجَى من قوم مقياسُ الكفاءةِ فيهم ما يَتَزَلَّفُ به المرؤوس لرؤسائه من قرابين؟ وأَيُّ إنتاج يُرتَجَى لأعمال لا تسير إلا بعد هدايا الراشين والمرتشين؟ فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ:

اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَال:َ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ.. ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ.. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟

فاتقوا الله عباد الله فإن يومَ القيامة وشيك وعذابَ الله قريب..

وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

اللهم أصلح أحوال أمتنا ورُدَّ بها إليك رَدّاً جميلا.. اللهم حبب إلينا الحلال ورضنا به وكره إلينا الحرام بكافة أنواعه. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك..
اللهم احفظ ولي أمرنا بما حفظت به الذكر الحكيم. اللهم أره الحق حقا وارزقه إتباعه وأره الباطل باطلا وأعنه على اجتنابه. اللهم قَيِّضْ له من المشورة من يبين له الحق ليأتيه ويجلي له الباطل ليجتنبه.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأعل كلمتي الحق والدين واخذل اللهم المنافقين والمشركين وكلَّ أعداء الدينِ من صهاينةٍ وصليبيين وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.