وداعا رمضان
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره وعد الصائمين بواسع مغفرته ودخول جنته ونشهد أنه الله، قال في محكم كتابه:
الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ .. يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ .. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ
ونشهد أن حبيبنا محمدا رسولُ الله بيّن جزاء الصائم يوم القيامة فقال:
إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَ الصَّائِمِينَ دَخَلَهُ وَمَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا
عباد الله، سنودع رمضان من قريب ولا شك أن الله تعالى قد أعتق رقابا منا من النار.. ونحن إذ صمنا أيام هذا الشهر العظيم وقمنا لياليه كلٌّ حسب طاقته، يحق لنا أن نستعدَّ لتلقي جائزةِ ربنا واستقبالِ هديته التي أعدها لنا..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
تذكرون أن هدف الصوم هو تكوين المتقين.. والمتقون هم الذين كتب الله لهم جائزته وخصهم بهديته..
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مُقَامٍ أَمِينٍ .. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .. يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ .. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
إن الجائزة الكبرى التي أعدها الله للمتقين هي الجنةُ بأنفاسها الرضية ونعيمها المقيم يجلسون فيها تحت ظلال دانية وقطوف مذللة.. يطاف عليهم بمشروب مختلف لونه ناعم ويتلذدون باستقرار أبدي دائم
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا
إنها الجنة.. إنها الجنة التي يأكل ويشرب ويتمتع فيها المتقون..
مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ
إنها الجنة التي يَنعَم فيها أهلها بنعيم يُخَيَّلُ إليهم أنهم يعرفونه ولكنه ليس كذلك فقد أكرمهم ربهم بما لا يتصورون ولا يخطر ببالهم..
كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً
إنها الجنة.. إنها الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين الذين تخرجوا من حضانة الإسلام ومدرسة الصيام وجامعة الإيمان..
فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا .. جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا .. لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا .. تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولـيـن والآخريـن وغـفـر لي ولـكـم ولسائر المسلمين ويرحم الله عبدا قال آميـن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ .. ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ .. لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
هذه أيها الأحبة هي جائزة ربنا للصائمين وكلِّ الذين يسلكون طريق المتقين.. فاحذروا إخواني أخواتي من أن تفسدوا على أنفسكم الربح الذي ربحتموه في رمضان لما كنتم تأتون إلى المسجد خاشعين راجين رحمة الله متطلعين إلى مغفرته فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
مَا مِنْ حَسَنَةٍ عَمِلَهَا ابْنُ آدَمَ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي.. الصِّيَامُ جُنَّةٌ.. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ
فاحذروا رحمكم الله من أن تفسدوا على أنفسكم فرحتها باقتراف الآثام من جديد وبالإصرار على الذنوب من قريب وبفسح المجال للشياطين تفرق وحدتنا وتشتت كلمتنا.
احذروا من استعمال اللسان في غير ما يرضي الرحمن فهو رأس البلاء كما بين ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟
فحذاري حذاري إذن من تجريح الهيئات وإثارة الفتن وذكر الغيبة والمشي بين الناس بالنميمة.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله إنك حميد مجيد
اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين واحشرنا يا رب في زمرة المتقين وهب لنا يا ربنا إنابة المخلصين ويقين الصادقين وسعادة العابدين ودرجاتِ الفائزين. اللهم أيس منا الشيطان كما أيسته من رحمتك واجعلنا يا ربنا إخوة متحابين على سرر متقابلين. اللهم لا تخالف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا ولا تفرق بيننا بعرَض من الدنيا أو بما لا ينفعنا هنا أو في آخرتنا.
اللهم احفظ ولي أمرنا بما حفظت به الذكر الحكيم. اللهم سدّد خطاه وثبت مسعاه إلى ما تحبه وترضاه.. واجعل اللهم قرة عينه في الصلاة وسعادة قلبه في صلاح ولي عهده وإخلاص شعبه.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأعل كلمتي الحق والدين وانصر مجاهدة المخلصين آمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.