أصلحوا ذات بينكم قبل رمضان
الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً.. نحمده تعالى ونشكره ونشهد ألا إله إلا غيره وجهنا إلى إصلاح ذات البين فقال:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسولُ الله دعانا إلى المؤاخاة فقال:
أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قال صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ
أجل إن الإنسان مهيأٌ لأن يبلغ من الرفعة مدىً يفوق به مقام الملائكة كما تشهد بذلك قصةُ المعراج الذي مرت بنا ذكراه قبل أيام حيث توقف جبريل عليه السلام عند مقام معين وتقدم محمد بن عبد الله الإنسان البشر إلى مقام أعلى ومنزلة أسمى.. إلا أن هذا الإنسانَ نفسُه المكرمُ ابتداءً مهيأٌ أيضا لأن يهوى إلى دركٍ تُصْبِحُ البهائمُ بموجبه أرفعُ منهُ قدرا وأجلُ منهُ قيمة وليس ذلك إلا لإتباعِه هواه وانحرافِه عن الخط الذي إليه ربُهُ هداه..
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ .. وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ .. وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسَّاءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا. إن الله سبحانه وتعالى خلقنا من نفس واحدة رجالا ونساء لنلتقي جميعا في وشيجة واحدة نتراحم فيما بيننا في إطارها. وإن هذا التراحم ليتأكد كلما كانت القرابة حاكمة للعلاقة التي بينك وبين غيرك. قال تعالى:
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا
ودعونا أيها الأحبة نعيش مليا مع معاني هذه الآية. إن صلة الأرحام حقٌّ لكل من يَمُتُّ إليك بصلة. وكلما كانت الصلة أوثق كلما كان حق القريب عليك ألزم ولعل الطريق الأوحد للقيام بحق الأقارب والأرحام هو أن تفشو المودة وتتسع الصدور وتسلم القلوب وإلا تقطعت الأوصال وانتشر الفساد وحقت لعنة الله عياذاً بالله..
وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
إن الله تبارك وتعالى ينهى عن قطع ما أمر به أن يوصل وإن من آكد ما أمر به.. إحسانَ المرء إلى أقاربه الأقرب فالأقرب طبعا من غير ظلم ولا تجاوز ودون أن تأخذ أحدَنا العزةُ بالإثم والخيلاء والفخر لأنه سبحانه لا يحب من كان مختالا فخورا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ
وصلة الرحم هذه لها مجالات واسعة ودروب شتى.. فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه. زيارات وصلات.. هاتف ومراسلات.. تفقد واستفسارات.. بذل معروف وتبادل هدية.. بل.. غضٌ عن الهفوات وعفوٌ عن الزلات وإقالةٌ للعثرات..
فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين ورحم الله عبدا قال آمين.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً والصلاة والسلام على نبينا أحمدَ. أما بعد فإنما دعاني للكلام عن إصلاح ذات البين أننا نستعد لاستقبال شهر الغفران وعز علي أن يكون فينا من يحمل البغضاء على غيره في وقت كان يستغله أسلافُنا الكرام لدحض ومحو ومحق ما بينهم من شنآن وهذا هو أصل « شعبانة » في شهر شعبان حتى يسود الوئام إذا ما حل رمضان. قال تعالى:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
ومن أجل ذلك قال عليه الصلاة والسلام:
أَفْضَلُ الفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ مَنَعَكَ وَتَصْفَحَ عَمَّنْ شَتَمَكَ
لأن قطيعة الرحم شؤمٌ يتسبب في اللعنة وعمى البصر والبصيرة..
فَهَلْ عَسيتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ .. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
فيا عجبا لأناس يسمعون كل هذه النصوص فيتمادَوْن في غيهم وبغيهم بتقطيع الأرحام وتأكيد الخصومة في ما بينهم. ألا إن قطع الرحم من أعظم الكبائر
وعقوبتُه معجلة في الدنيا قبل الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم:
مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أن يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِه الْعُقُوبَةَ في الدُّنْيا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ.. مِنَ الْبَغْيِ وَقَطيعةِ الرَّحِمِ
فكيف يسارع أقوام في قطع صلاتهم بأقاربهم لأدنى سبب فقد قيل:
لا تقطعن القريب وإن أساء .. فإن المرء لا يأكل لحمه وإن جاع
اللهم بصرنا بعيوبنا وأرشِدنا إلى ما فيه صلاحُنا. أصلح اللهم ذات بيننا أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم إن شهر رمضان قد أطل علينا. اللهم بلغنا إياه ونحن في عافية في أبداننا وأعنا على صيام أيامه وقيام لياليه على الوجه الذي يرضيك عنا.. اللهم رحمتك نرجو أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.. اللهم إنا نسألك لأمير المؤمنين سيدي محمد السادس البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون عليه ما طوقته به من مسوؤليات جسام وأيده بالبطانة الصالحة التي تدله على الخير وتصرفه عن كل شر. اللهم انصر إخوتنا المجاهدين في كل مكان وخصوصا المستضعفين منهم في غزة والضفة وبيت المقدس يا حنين يا منان. ربنا إياك سألنا ولإحسانك تعرضنا فكن لنا الولي والنصير والمعين والظهير فأنت ولي ذلك والقادر غليه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.